فصل: تفسير الآية رقم (124):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (124):

{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}
{لاقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ} أي من كل جانب عضوًا مغايرًا للآخر كاليد من جانب والرجل منآخر، والجار في موضع الحال أي مختلفة، والقول بأن من تعليلية متعلقة بالفعل أي لأجل خلافكم بعيد {ثُمَّ لاَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} تفضيحًا لكم وتنكيلًا لأمثالكم، والتصليب مأخوذ من الصلب وهو الشد على خشبة أو غيرها وشاع في تعليق الشخص بنحو حبل في عنقه ليموت وهو المتعارف اليوم، ورأيت في بعض الكتب أن الصلب الذي عناه الجبار هو شد الشخص من تحت الإبطين وتعليقه حتى يهلك، وهوكقطع الأيدي والأرحجل أول من سنه فرعون على ما أخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، وشرعه الله تعالى لقطاع الطريق تعظيمًا لجرمهم، ولهذا سماه سبحانه محاربة لله ولرسوله.

.تفسير الآية رقم (125):

{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}
{قَالُواْ} استئناف بياني {إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ} أي إلى رحمته سبحانه وثوابه عائدون إن فعلت بنا ذلك فيا حبذاه.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أن السحرة حين خروا سجدًا رأوا منازلهم تبنى لهم، وأخرج عن الأوزاعي أنهم رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها، ويحتمل أنهم أرادوا إنا ولابد ميتون فلا ضير فيما تتوعدنا به والأجل محتوم لا يتأخر عن وقته:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ** تعددت الأسباب والموت واحد

ويحتمل أيضًا أن المعنى إنا جميعًا ننقلب إلى الله تعالى فيحكم بيننا:
إلى ديان يوم الدين نمضي ** وعند الله تجتمع الخصوم

وضمير الجمع على الأول للسحرة فقط، وعلى الثالث لهم ولفرعون، وعلى الثاني يحتمل الأمرين.

.تفسير الآية رقم (126):

{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}
{وَمَا تَنقِمُ} أي ما تكره، وجاء في الماضي نقم ونقم على وزن ضرب وعلم {مِنَّا} معشر من آمن: {إلاَّ أنْ آمَنَّا بئايات رَبّنَا لَمَّا جَاءتْنَا} وذلك أصل المفاخر وأعظم المحاسن، والاستثناء مفرغ، والمصدر في موضع المفعول به، والكلام على حد قوله:
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم ** تعاب بنسيان الأحبة والوطن

وقيل: إن {تَنقِمُ} مضارب نقم عنى عاقب، يقال: نقم نقمًا وتنقاما وانتقم إذا عاقبه، وإلى هذا يشير ما روى عن عطاء، وعليه فيكون {مِنَّا إِلاَّ} في موضع المفعول له، والمراد على التقديرين حسن طمع فرعون في نجع تهديده إياهم، ويحتمل أن يكون على الثاني تحقيقًا لما أشاروا إليه أولًا من الرحمة والثواب. ثم أعرضوا عن خاطبته وفزعوا والتجأوا إليه سبحانه وقالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} أي أفض علينا صبرًا يغمرنا كما يفرغ الماء، أو صب علينا ما يطهرنا من الآثام وهو الصبر على وعيد فرعون، {فأفرغ} على الأول استعارة تبعية تصريحية و{مَعِىَ صَبْرًا} قرينتها، والمراد هب لنا صبرًا تامًا كثيرًا، وعلى الثاني كيون {صَبْرًا} استعارة أصلية مكنية و{أَفْرِغْ} تخييلية، وقيل: الكلام على الأول كالكلام على الثاني إلا أن الجامع هناك الغمر وههنا التطهير، وليس بذاك وأن جل قائله {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} أي ثابتين على ما رزقتنا من الإسلام غير مفتونين من الوعيد. عن ابن عباس. والكلبي. والسدي أنه فعل بهم ما أوعدهم به، وقيل: لم يقدر عليه لقوله تعالى: {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا باياتنا أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} [القصص: 35].
وأجاب الأولون عن ذلك بأن المراد الغلبة بالحجة أو في عاقبة الأمر ونهايته وهذا لا ينافي قتل البعض.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
{وَقَالَ الملا مِن قَوْمِ فِرْعَونَ} مخاطبين له بعدما شاهدوا من أمر موسى عليه السلام ما شاهدوا.
{أَتَذَرُ موسى} أي أتتركه {وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض} أي في أرض مصر.
والمراد بالإفساد ما يشمل الديني والدنيوي، ومفعول الفعل محذوف للتعميم أو أنه منزل منزلة اللازم أو يقدر يفسدوا الناس بدعوتهم إلى دينهم والخروج عليك. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما آمنت السحرة أتبع موسى عليه السلام ستمائة ألف من بني إسرائيل {وَيَذَرَكَ} عطف على يفسدوا المنصوب بأن، أو منصوب على جواب الاستفهام كما ينصب بعد الفاء، وعلى ذلك قول الحطيئة:
ألم أك جارك ويكون بيني ** وبينكم المودة والأخاء

والمعنى كيف يكون الجمع بين تركك موسى عليه السلام وقومه مفسدين في الأرض وتركهم إياك إلخ أي لا يمكن وقوع ذلك. وقرأ الحسن. ونعيم بن ميسرة بالرفع على أنه عطف على {تذر} أو استئناف أو حال بحذف المبتدأ، أي وهو يذرك لأن الجملة المضارعية لا تقترن بالواو على الفصيح، والجملة على تقدير الاستئناف معترضة مؤكدة لمعنى ما سبق، أي تذره وعادته وتركك، ولابد من تقدير هو على ما قال الطيبي كما في احتمال الحال ليدل على الدوام، وعلى تقدير الحالية تكون مقررة لجهة الإشكال. وعن الأشهب أنه قرأ بسكون الراء، وخرج ذلك ابن جنى على أنه تركت الضمة للتخفيف كما في قراءة أبي عمرو {يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: 67] بإسكان الراء استقلالًا للضمة عند توالي الحركات، واختاره أبو البقاء، وقيل: إنه عطف على ما تقدم بحسب المعنى، ويقال له في غير القرآن عطف التوهم، كأنه، قيل: يفسدوا ويذرك كقوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصالحين} [المنافقين: 10]
{وَءالِهَتَكَ} أي معبوداتك. يروى أنه كان يعبد الكواكب فهي آلهته وكان يعتقد أنها المربية للعالم السفلى مطلقًا وهو رب النوع الإنساني، وعن السدي أن فرعون كان قد اتخذ لقومه أصنامًا وأمرهم بأن يعبدوها تقربًا إليه، ولذلك قال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الاعلى} [النازعات: 24] وقيل: إنه كانت له بقرة يعبدها وكان إذا رأى بقرة حسنة أمر قومه بعبادتها، ولذلك أخرج السامري لبني إسرائيل عجلًا وهو رواية ضعيفة عن ابن عباس، وقال سليمان التيمي: بلغني أنه كان يجعل في عنقه شيئًا يعبده، وأمر الجمع عليه يحتاج إلى عناية وقرأ ابن مسعود. والضحاك. ومجاهد. والشعبي و{إلهتك} كعبادتك لفظًا ومعنى فهو مصدر.
وأخرج غير واحد عن ابن باس أنه كان ينكر قراءة الجمع بالجمع ويقرأ بالمصدر ويقول: إن فرعون كان يعبد ولا يعبد، ألا ترى قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} [القصص: 38] ومن هنا قال بعضهم: الأقرب أنه كان دهريًا منكرًا للصانع، وقيل: الآلهة اسم للشمس وكان يعبدها؛ وأنشد أبو علي:
وأعجلنا الآلهة أن تؤبا

{قَالَ} مجيبًا لهم {سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ} كما كنا نفعل بهم ذلك من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده.
وقرأ ابن كثير. ونافع {سنقتل} بالتخفيف والتضعيف كما في موتت الإبل.
{وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون} أي غالبون كما كنا لم يتغير حالنا وهم مقهورون تحت أيدينا، وكان فرعون قد انقطع طمعه عن قتل موسى عليه السلام فلم يعد الملأ بقتله لما رأى من علو أمره وعظم شأنه وكأنه لذلك لم يعد بقتل قومه أيضًا، والظاهر على ما قيل: إن هذا من فرعون بيان لأنهم لا يقدرون على أن يفسدوا في الأرض وإيذان بعدم المبالاة بهم وأن أمرهم فيما بعد كأمرهم فيما قبل وأن قتلهم عبث لا ثمرة فيه، وذكر الطيبي أنه من الأسلوب الحكيم وإن صدر من الأحمق، وأن الجملة الاسمية كالتذليل لما قبلها فافهم.

.تفسير الآية رقم (128):

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
{قَالَ موسى لِقَوْمِهِ} تسلية لهم حين تضجروا مما سمعوا بأسلوب حكيم {استعينوا بالله واصبروا} على ما سمعتم من الأقاويل الباطلة {إِنَّ الأرض للَّهِ} أي أرض مصر أو الأرض مطلقًا وهي داخلة فيها دخولًا أوليًا {يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} الذين أنتم منهم، وحاصله أنه ليس الأمر كما قال فرعون: {إِنَاْ فَوْقَهُمْ قاهرون} [الأعراف: 127] فإن القهر والغلبة لمن صبر واستعان بالله ولمن وعده الله تعالى توريث الأرض وأنا ذلكم الموعود الذي وعدكم الله تعالى النصرة به وقهر الأعداء وتوريث أرضهم، وقوله: {والعاقبة} إلخ تقرير لما سبق.
وقرأ أبي. وابن مسعود {والعاقبة} بالنصب عطفًا على اسم أن.

.تفسير الآية رقم (129):

{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
{قَالُواْ} أي قوم موسى له عليه السلام {أُوذِينَا} من جهة فرعون {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا} بالرسالة يعنون بذلك قتل الجبار أولادهم قبل مولده. وبعده إذ قيل له: يولد لبني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويكون هلاكك على يديه {وَمِنْ بَعْدَمَا جِئْتَنَا} أي رسولًا يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والعذاب، وقيل: إن نفس ذلك الإيعاد إيذاء، وقيل: جعل إيعاده نزلة فعله لكونه جبارًا.
وقيل: أرادوا الإيذاء بقتل الأبناء قبل مولد موسى عليه السلام وبعد مولده، وقيل: المراد ما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن، وتعقب بأن ذلك ليس مما يلحقهم بواسطة موسى عليه السلام فليس لذكره كثير ملاءمة بالمقام، والظاهر أنه لا فرق بين الاتيان والمجيء وإن الجمع بينهما للتفنن والبعد عن التكرار اللفظي فإن الطباع مجبولة على معاداة المعادات، ولذلك جيء بأن المصدرية أولًا وا أختها ثانيًا.
وذكر الجلال اليوطي في الفرق بينهما أن الإتيان يستعمل في المعاني والأزمان والمجيء في الجواهر والأعيان وهو غير ظاهر هنا إلا أن يتكلف، ونقل عن الراغب في الفرق بينهما أن الاتيان هو المجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء وهو كسابقه هنا أيضًا، وهذا منهم جار مجري التحزن لعدم الاكتفاء بما كنى لهمعليه السلام لفرط ما عراهم وفظاعة ما اعتراهم، والمقام يقتضي الإطناب فإن شأن الحزين الشاكي إطالة الكلام رجاء أن يطفئ بذلك بعض الأوام، وقيل: هو استبطاء منهم لما وعدهم عليه السلام أن النجاة والطفر والأول أولى فقوله تعالى: {قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم بما توعد.
{وَيَسْتَخْلِفَكُمْ} أي يجعلكم خلفاء {فِى الأرض} أي أرض مصر تريح بما كنى عنه وتوكيد للتسلية على إبلغ وجه، وفيه إدماج معنى من عادي أولياء الله تعالى فقد بارزه بالمحاربة وحق له الدمار والخسار. وعسى في مثله قطع في إنجاز الموعود والفوز بالمطلوب، ونص غير واحد على التعبير به للجري على سنن الكرماء.
وقيل: تأدبًا مع الله تعالى وإن كان الأمر مجزومًا به بوحي وإعلام منه سبحانه وتعالى، وقيل: إن ذلك لعدم الجزم منه عليه السلام بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم، فقد روى أن مصر إنما فتحت في زمن داود عليه السلام.
وتعقب بأنه لا يساعده قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها} [الأعراف: 137] فإن المتبادر استخلاف المستضعفين أنفسهم لا استخلاف أولادهم، والمجاز خلاف الأصل. نعم المشهور أن بني إسرائيل بعد أن خرجوا مع موسى عليه السلام من مصر لم يرجعوا إليها في حياته، وفي قوله سبحانه: {فَيَنظُرَ} أي يرى أو يعلم {كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أحسنًا أم قبيحًا فيجازيكم حسا يظهر منكم من الأعمال إرشاد لهم إلى الشكر وتحذير لهم عن الوقوع في مهاوي الكفر، وقيل: فيه إشارة إلى ما وقع منهم بعد ذلك.